وبما أن العدل يشمل أمورا كثيرة كلها مرادة لله تعالى ومحبوبة له فلنبين طرفا منها لتعرف ويمتثل أمر الله تعالى فيها:
1- العدل في الأحكام: لقوله تعالى: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ}.
والحكم بالعدل: أن يعطىمن حكم بين اثنين الحق لصاحبه، ويمنع منه الباغي عليه، فالحكم بالعدل فيكل القضايا والأمور أمر محبوب لله تعالى مراد له، ولذلك أمر به وواعد خيراعليه، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن المقسطين عند الله يومالقيامة على منابر من نور على يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين الذين يعدلونفي حكمهم وأهلهم وما وَلُوا" (رواه مسلم).
2- العدل في القول؛ لأمرالله تعالى به في قوله: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَاقُرْبَى}، فواجب كل من قال مخبرا أو شاهدا أو آمرا أو ناهيا أن يعدل فيقوله فلا يحيف ولا يجور، ولا يكذب، ولكن يعدل ويصدق، ولو كان المقول فيهأو له أقرب قريب من القائل.
3- العدل في العطيةللأولاد بحيث يسوي بينهم، ولا يفضّل أحدا على آخر لقوله صلى الله عليهوسلم: "اتقوا الله واعدلوا في أولادكم" وقوله: "سَوُّوا بين أولادكم فيالعطية".
4- العدل بين الزوجات.فمن كان له زوجتان فأكثر وجب عليه أن يعدل بينهما في الغذاء، والكسوة،والسكن، والفراش، وإلا تعرض لوعيد شديد ينال أهل الحيف والجور من الناس،فقد روى الترمذي بسند صحيح عنه صلى الله عليه وسلم: "من كانت له امرأتانيميل لإحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة يجرّ أحد شقّيه ساقطا أومائلا".
العدل في الرعية فمناسترعاه الله تعالى أمّة فولاه عليها وجب عليه أن يسوسها بالعدل فيسوي بينأفرادها في الحقوق والواجبات طلبا للعدل وتحقيقا له بين أفرادها، ولا يتملحاكم ذلك مهما كان، ما لم ينفذ أحكام الله برمّتها، فمن أعطاه اللهأعطاه، ومن منعه الله منعه، ومن أكرمه الله بطاعته وتقواه أكرمه، ومنأهانه الله بفجوره أهانه.
كل هذا داخل في الأمر بالعدل وهو مراد لله ومحبوب له، ولذا أمر به، ودعا إليه.
أما الإحسان: وهو الأمرالثاني في الآية فإنه قوام أعمال القلوب والجوارح كلها فلا يتم عملالإنسان ولا يصلح إلا عليه. أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن اللهكتبه في كل شيء ففي حديث مسلم: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذاقتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذِّبحة وليُحِدَّ أحـدكمشفرته وليرح ذبيحته".
والإحسان ضد الإساءة والفساد، ولذا افتقرت كل الأعمال والأقوال إليه، وأعمال القلوب كأعمال الجوارح في الإحسان.
وهو – أي الإحسان – فيالعبادات أن تؤدى كاملة صحيحة وذلك باستيفاء شروطها وأركانها واستيفاءسننها وآدابها مع الإخلاص لله تعالى فيها.
وهو - أي الإحسان - فيالمعاملات؛ إن كان للوالدين، فهو برهما الذي هو طاعتهما في المعروف وإيصالالخير إليهما، وكف الأذى عنهما، والدعاء والاستغفار لهما في حياتهما وبعدموتهما، وإنفاذ عهدهما وإكرام صديقهما.
وهو للأقارب برّهم، وصلتهم، ورحمتهم، والعطف عليهم، وفعل ما يحمد فعله معهم، وترك ما يسيء إليهم، أو يقبح قوله، أو فعله معهم.
وهو - الإحسان - لليتامى: المحافظة على أموالهم، وحماية حقوقهم، وتربيتهم وتأديبهم وترك أذاهم،وعدم قهرهم، والهشّ في وجوههم، والبش عند مخاطبتهم.
وهو - الإحسان – للمساكينسدّ جوعهم، وستر عورتهم، والحث على إطعامهم، وعدم المساس بكرامتهم، فلايحتقرون، ولا يزدرون، ولا ينالون بسوء أو يمسون بمكروه.
وهو لابن السبيل قضاء حاجته، وسدّ خلته، ورعاية ماله، وصيانة كرامته، وإرشاده إن استرشد، وهدايته إن ضل.
وهو - الإحسان – للخادم:إعطاؤه أجره قبل أن يجف عرقه، وعدم إلزامه ما لا يلزمه، وعدم تكليفه ما لايطيق، وصون كرامته، واحترام شخصيته.
وهو - الإحسان - لعمومالناس، التلطف في القول لهم، ومجاملتهم في معاملتهم، ومخاطبتهم مع أمرهمبالمعروف إن تركوه، ونهيهم عن المنكر إن ارتكبوه، وإرشاد ضالهم، وتعليمجاهلهم وإنصافهم من النفس، والاعتراف بحقوقهم، وكف الأذى عنهم، بعدمارتكاب ما يضرهم، أو فعل ما يؤذيهم.
وهو – الإحسان - للحيوانإطعامه إذا جاع، ومداواته إن مرض، وعدم تكليفه ما لا يطيق، وعدم حمله علىما لا يقدر، بالرفق به إن عمل، وإراحته إن تعب.
وهو - أي الإحسان - في الأعمال البدنية الدنيوية بإجادة العمل، وإتقان الصّنعة، وتخليص سائر الأعمال من الغش والفساد.
هذا هو الإحسان المأموربه في الآية الكريمة ، وهو مأمور به في كل شيء، لتوقف صلاح الأعمال عليه،ومما يساعد على تحقيق هذا المبدأ، أو تنفيذ هذا الأمر الإلهي العظيم،مراقبة الله تعالى عند القيام بأي فعل، وذلك لإرشاد النبي صلى الله عليهوسلم إلى ذلك بقوله: "الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراهفإنه يراك".
وأما إيتاء ذي القربى:فإنه المطلب الثالث في هذه الآية الكريمة، وهو الاعتراف بحقوق ذوي القربىالمالية كالإرث ونحوه، وغير المالية من البر والصلة، فهذا الحق يجب أنيعترف به ويسلم إلى أهله، طاعة لله تعالى في أمره به. إن في إيتاء ذيالقربى حقه، وما يجب له على قريبه من أسباب كمال الأمة وقوتها وسعادتها،ما يوجد في إقامة العدل، وتعميم الإحسان. إن في إيتاء ذي القربى حقه منتماسك الأفراد، وترابط الأسر ما يجعل الأمة قادرة على إقامة العدل وبذلالإحسان، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبالجملة فإن هذا المطلب لايقل أهمية عن المطلبين السابقين له وهما العدل والإحسان وبتحقيق هذهالمطالب الثلاثة والتي هي جماع الخير كله يتم للأمة التي تنشد السعادةوالكمال نصف بناء صرح سعادتها وكمالها، ويقى النصف الثاني متعلقا باجتنابالمنهيات الثلاثة؛ الفحشاء، والمنكر، والبغي، فمتى حققت الأمة تلك المطالبواجتنبت هذه المناهي فقد أقامت صرح حضارتها، وعزتها وسعادتها، وكمالها،وتسنمت ذرى الشرف والمجد بين الأمم والشعوب.
يتبع